الحِسُّ في هذا الوجود جريمةٌ لا تُغتفر

📝: نازك الملائكة

يا ليتني عمياء ‏لا أدري بما تَجني الشُرور
صمّاء لا أُصغي الى وقْع السياط على الظهور
يا ليت قلبي كان صخراً لا يُعذّبُه الشعور
ياليتني، ماذا تُفيدُكِ، يا حياتي، ليتني؟
أحلامُك النضِراتُ باتت في قنوطٍ مُحزنِ
لن يسمعَ القَدرُ المُدمّرُ فاصرُخي أو أذعني
يا نارَ عاطفتي الرقيقة، يا غريبة في البشر
وقْعُ السياط على الظهور أشد من وقع القَدَر
والحسُّ في هذا الوجودِ جريمةٌ لا تُغتفَر

📜

والذاتُ تسألُ من أنا
أنا مثلها حيرَى أحدّقُ في ظلام
لاشيء يمنحُني السلام
أبقى أُسائلُ والجواب
سيظلّ يحجُبه سراب
وأظلّ أحسبُه دنا
فإذا وصلتُ إليه ذاب
وخبا وغاب

📜

أُريد وأجهل ماذا أريد
أُريد وعاطفتي لا تُريد
أُحب السماء ولونَ النجوم
وأمقتُها كلّ فجرٍ جديد
أُريد وأشعر أَني أحسُّ
ويسخرُ مما أحسُّ الوجود
وأرغب في حُلمٍ غامضٍ
فليسَ له هيكلٌ أو حدود
وأنفِرُ من كلّ ما في الوجود
وأهرُبُ من كل شيءٍ أراه
ففي عُمق نفسي صوتٌ غريب
يُعلّمُ قلبي ازدراءَ الحياه
ويصرُخُ بي: أُهرُبي أُهرُبي
ويُتعب إحساس روحي صَداه

📜

قالوا الأمل
هو حسرةُ الظمآنِ حينَ يرى الكؤوس
في صورةٍ فوق الجدار
هو ذلكَ اللون العَبوس
في وجهِ عُصفورٍ تحطّم عُشُّه فبكى وطار
وأقام ينتظر الصباح لعلَّ مُعجزةً تُعيد
أنقاضَ مأواهُ المُخرَّب من جديد

📜

ألمُبهمُ في روحي يبقى في إبهامه
دعه لا تسألني عنه، عن أنغامه
دعني في ألغازي العُليا، في أسراري
في صمتي، في روحي، في مهمه آفكاري
في نفسي جزءٌ أبديّ لا تفهمُه
في قلبي حُلمٌ علويّ لا تعلمه
دعه، ماذا يَعنيك لتسألَ في إصرار؟
الحبُّ يموتُ اذا لم تحجُبه أسرار
إني كالليلِ: سكونٌ،عمقٌ، آفاق
إني كالنجم: غموضٌ، بُعدٌ، إبراق

📜

لا، لا تسأل … دعني صامتةً منطوية
أترك أخباري وأناشيدي حيثُ هيَ
أُتركني أسئلةً وردوداً مُنزويه
ووروداً تبقى تحت ثلوجك منحنية
يا آدم لا تسأل … حواؤكَ مطويّة
في زاوية من قلبـِك حيرى منسيّة
ذلك ما شاءتهُ أقدارٌ مقضيّة
آدم مثل الثلج، وحوّاءٌ ناريّة


📜

إغضبْ، أُحبّكَ غاضباً متمرّداً
في ثورةٍ مشبوبةٍ وتمزّقِ‏
أبغضتُ نومَ النار فيك فكُن لظىً
كن عرْقَ شوقً صارخ متحرّقِ

إغضب، تكاد تموت روحك، لا تكن
صمتاً أضيّعُ عندهُ إعصاري
حسبي رمادُ الناس، كن أنت اللظى
كن حُرقة الإبداع في أشعري

إني أحبك نابضاً، متحركاً
كالطفل، كالريح العنيفةِ كالقدر
عطشان للمجد العظيم فلا شذىً
يُروي رؤاك الظامئاتِ ولا زهرْ

الصبْر؟ تلك فضيلة الأموات
في برد المقابر تحت حكم الدودِ
رقدوا وأُعطينا الحياةَ حرارةً
نشوى وحُرقةَ أعين وخدودِ

إنّي أُحبُّ تعطشَ البركان فيكَ إلى انفجارْ
وتشوّق الليل العميق إلى ملاقاة النهار
وتحرّق النبع السّخي إلى معانقة الجرار
إني أُريدك نهر نارٍ ما لِلُجّتهِ قرار

فاغضب على الموت اللعين
إني مَللت الميّتين

📜

فيمَ تبقى ذكرياتي حيّةٌ بعدي وأُنسَى؟
كلَّ يومٍ أُسرعُ الخَطوَ عن العالم يأسا
وهي ما زالت شباباً ناضراً، جِسماً ونفسا
آه ما أعنف أحقادي على الذِكرى، وأقسى!

اكتب تعليقًا